بسم الله الرحمن الرحيم
"طاق طاق طاقية"
طاق طاق طاقية..شباكين وعلية..رنّ رنّ يا جرس..حوّل واركب عالفرس...
يغمضن أعينهمن، اثنتان منهنّ تدوران، الأخريات يصّفقن، تعلو القهقهات، يزداد هدير الضحكات، يستلقين بين العشب حتّى لا تكاد تظهر سوى أطراف أقدامهن.
لرهف ضفيرتان تنسابان كنهرين، تتواطأ عيناها مع العشب في لونه، تركض كغزالة في رشاقتها، تنعتها صديقاتها بالحرباء، فهي تتلون مع الطبيعة تارة تراها كوردة، وتارة صخرة، واحيانا كعصفورة، تحسّ وكأن أحداً ما يدغدغك ان سمعت ضحكتها، وإن كنت قد سرقت من الجبال جبروتها فإنك حتما ستبكي إن سمعت بكائها.
الجوّ كشقائق النعمان في جماله، الشمس تلعب الغماية مع سحب السماء، رهف وصديقاتها بدأت لعبتهن اليومية، طاق طاق طاقية...رغد ركضت وراء ياسمينة ولم تمسكها، عدن للغناء، قطعة القماش الآن وراء رهف دورها لتركض..
قبل ست سنوات، لم تكن الشمس تلعب الغماية، كانت منتصبةً في زاوية السماء، ولا غيوم هناك، الحرّ يفيض على طريق رام الله، وحده الصّراخ يملأ المكان مقتاً، أتعرف معنى أن ترى شخصاً يحترق أمام عينيك ومعك ماء الحياة ولا تستطيع الامساك بالدلو
حملت رهف قطعة القماش الارجوانية، بدأت تركض...
قبل ست سنوات صرخت الأم صرخة مدويّة، أطلقت مدافع الألم علّ أحداً يسمع، الكلّ سمع، لكن بدون حراك، تجمدت الأطراف، البنادق موجهة للرؤوس، الحاجز كتنين ناريّ، الأم وما في أحشائها على الجهة اليمنى من التنين، وسيارة الاسعاف ترقد على الجهة اليسرى، الوقت تجمد، والحر يلتهب، ألسنة تصرخ، ومن يستطع أن يتحدى رصاصة تخترق الجسد لتفتت الأعضاء في جزء من الثانية، أطلقت الأم صرختها الأخيرة، بكت رهف بكائها الأول على الحاجز، لمّا اخترقت الشمس بؤبؤ عينها رأت بندقية بدل دمية.
رهف الآن تركض وراء رغد، هي ليست كغزالة، تركض ببطء، هي ليست رشيقة، في رجلها اعاقة جسدية بسبب ولادتها المرّة المميتة، تركض، لرغد قدمان سريعتان، حاولت أن تسرع تعثرت بصخرة، وقعت أرضاً، فأصبحت حربائة خضراء، تبكي كما في بكائه
ا الأول.